مشكلات عديدة قد تعاني منها أثناء إدارة فريق المحتوى، مثل عدم انتظام إنتاج المحتوى، وتفاوت جودته، وأحيانًا تضارب الأدوار أو وجود أدوار غير محددة المسؤولية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لديك كتّاب ومصممون ومطوّرو ويب يتقاضون رواتب شهرية، ولكنهم في الحقيقة يقضون معظم وقتهم دون عمل فعلي.
إذا كنت صاحب وكالة تسويقية، أو شركة، أو حتى مدير تسويق، وتعاني من هذه المشكلات، فأود أن أقول لك إنك بحاجة إلى التعامل مع هذا المقال معاملة خاصة. لذا، أحضر ورقتك وقلمك، ولنبدأ.
مشكلات إنتاج المحتوى، من أين تنشأ؟
إذا تأملت في أي مشكلة داخل إطار الأعمال، ستجد أن هذه المشكلة غالبًا تبدأ بالإدارة، وتنتهي أيضًا بحسن الإدارة.
وفريق المحتوى مثل أي فريق في إطار العمل؛ إذا كانت إدارته واعية ومنظمة وموجهة نحو الهدف، ستكون النتائج جيدة ومرضية، حتى لو كان أداء كل فرد من أفراد الفريق بمفرده متوسطًا أو حتى أقل من المتوسط. أما إذا كانت الإدارة غير منظمة ولا تعرف كيفية التعامل مع العمليات والكادر البشري، فمن الطبيعي أن تنشأ هذه المشكلات.
وبذلك يمكننا القول باختصار، إن هذه المشكلات تبدأ بإدارة المحتوى، وتنتهي أيضًا بإدارة المحتوى.
ما هي إدارة المحتوى؟
إدارة المحتوى هي ببساطة تنظيم وأتمتة العمليات المرتبطة بالتخطيط، وإنتاج، وتوزيع المحتوى، ثم ترتيبه وتخزينه بما يجعله متاحًا ومحدثًا باستمرار.
إذا تأملت في هذا التعريف، ستلاحظ أنه يحدد إدارة المحتوى في ضوء مهمتين أساسيتين، وهما باختصار:
- التنظيم: أن تكون كل عملية أو مهمة معروفة سير عملها بالضبط، بدءًا من المسؤول عنها، مرورًا بمراحلها المختلفة، وانتهاءً بالشخص المسؤول عن قبول واعتماد مُخرجاتها، بالإضافة إلى الموارد المطلوبة.
- الأتمتة: وهي مشتقة من المصطلح الإنجليزي “Automation”، ولها شقان مهمان:
- الشق الأول هو أن تتم العمليات بشكل تلقائي باستخدام الأدوات والتكنولوجيا.
- الشق الثاني هو أن يكون كل فرد في الفريق فاهمًا وواعيًا لسير العمليات، وينفذها تلقائيًا ملتزمًا بمراحل التنفيذ ومعايير التسليم.
عمليًا، ما هي إدارة المحتوى؟!
أعلم أن التعريف السابق قد يكون معقدًا وغير مفهوم، لذا دعنا نضرب مثالًا عمليًا على كيفية إدارة المحتوى.
تخيل معي أنك وكالة تسويقية أو شركة أو مدير تسويق، ومطلوب منك الحفاظ على مستوى التفاعل ومعدل النمو على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى جذب العملاء من خلالها. وكانت الاستراتيجية المعتمدة لديكم هي نشر المحتوى التفاعلي والاعتماد على الوصول المجاني في النمو وجذب العملاء.
إذا سألتك كيف ستنفذ هذا المشروع فقلت لي إنك ستوظف كاتبًا ومصممًا ومدير منصة، وستجعلهم يضعون خطة ويصممون المحتوى وينشرونه، فعلى الرغم من أن كلامك قد يبدو بديهيًا، إلا أنه يدل على وجود مشكلة في إدارة المحتوى لديك، لأن هذه ليست الطريقة ولا الترتيب المطلوب.
دعنا نرى كيف يمكننا إدارة هذا المشروع بشكل صحيح.
1- إعداد استراتيجية المحتوى
استراتيجية المحتوى هي الخطوة الأولى في أي مشروع محتوى ناجح. وصدقني إذا قلت لك، من خلال تجربتي الشخصية، إن ثلاثة أرباع الفشل في التسويق بالمحتوى يعود إلى غياب استراتيجية المحتوى.
وذلك لأن استراتيجية المحتوى ستساعدك في تحديد بعض الأمور التي لن ينجح مشروعك بدونها، وهي:
- المنصة المناسبة: سيتوقف على اختيار المنصة أمور عدَّة، أهمها اختيار مدير ذو خبرة في المنصة المُختارة.
- نوع المحتوى: إذا اخترت مثلاً تيك توك، فهذا يعني أنك ستعتمد أساساً على المحتوى الفيديو. أما إذا اخترت تويتر، فستعتمد على المحتوى النصي والتصاميم، وهكذا.
- الأدوار والمسؤوليات: وهذا طبيعي، فإذا كنت ستنتج محتوى فيديو على تيك توك، فستحتاج إلى كاتب، ومصور، ومونتير. أما إذا كنت ستنتج على تويتر، فستحتاج إلى كاتب ومصمم فقط!
- كثافة النشر: الاستراتيجية ستحدد لك كمية المحتوى التي ستنشرها، وبالتالي عدد الموظفين الذين تحتاجهم لإنتاج هذا المحتوى. فمثلاً، إذا كنت ستنشر 90 فيديو في الشهر على تيك توك، فهذا يعني أنك غالباً ستحتاج إلى أكثر من متخصص مونتاج، وربما أكثر من مصور أيضاً. كلما زادت الكثافة، زاد عدد الموظفين أو المستقلين، ومعهم تكاليف الإنتاج.
- مستوى الجودة: في بعض الصناعات، بعد إجراء البحث المطلوب والنظر في جودة محتوى المنافسين، نجد أن هناك مستوى معين من الجودة يجب أن نلتزم به لنتمكن من المنافسة، وهذا يعني اختيار كفاءات وقدرات معينة.
2- تحديد المهام والموارد المطلوبة
بعد الانتهاء من إعداد استراتيجية المحتوى، ستكون لديك إجابة على هذا السؤال: ما الذي أحتاجه لتطبيق هذه الاستراتيجية وإنجاحها؟
أصبحت الآن تعرف القناة التي ستعمل عليها، ونوع المحتوى الذي ستنتجه، ومن سيقوم بإنتاج هذا المحتوى، وكميته ومستوى جودته، وبقي تحديد الموارد المطلوبة.
على سبيل المثال، إذا قررت الاعتماد على تيك توك كقناة تسويقية، وستنتج فيديو واحد يومياً، وسيكون الشكل الغالب على الفيديو هو الاستعراض أو خلف الكواليس، وتحتاج إلى شخص يتفاعل أو يدير التفاعل مع العملاء والمؤثرين ويتواصل معهم، ستكون المهام والموارد (البشرية والتكنولوجية) كالتالي:
بعد تحديد المهام والمسؤوليات والأدوات المطلوبة، يتبقى لنا وضع ميزانية للإنتاج مبنية على مستوى خبرة الكادر البشري، وحجم الإنتاج، وتكاليف الأدوات المدفوعة.
3- تحديد إجراءات التشغيل القياسية (SOPs)
الآن، لنفترض أنك نجحت في التعاقد مع الكوادر البشرية (سواء كانوا مستقلين أو موظفين بدوام كامل أو جزئي) وتمكنت من توفير الموارد المطلوبة سواء كانت مادية أو تكنولوجية. هل هذا يكفي لضمان نجاح مشروع المحتوى؟ بالطبع لا!
أنت الآن بحاجة إلى إدارة حكيمة لهذه الموارد، بحيث يكون كل فرد في الفريق على دراية تامة بمهامه، ويعرف متى يبدأها ومتى ينهيها وكيفية تنفيذها! وهذه هي بالتحديد مهمة وأهمية رسم مُخطط إجراءات التشغيل القياسية (Standard Operating Procedures).
دعنا نستعرض مثالاً عملياً وواقعياً لإجراءات التشغيل وإنتاج المحتوى (وهي واحدة من مهام مدير المنصة)، وسير العمل:
4- إعداد إطار العمل
على الرغم من أن إجراءات التشغيل بهذه الطريقة مهمة وحيوية، إلا أنها وحدها غير كافية. لكي تكون عملية وواقعية، نحتاج إلى القيام بما يلي:
- تحويلها إلى سير عمل يتم فيه ترتيب العمليات بشكل منطقي.
- بعد ذلك، نضيف التوقيتات الزمنية الخاصة.
- ثم المسؤولين عن تنفيذ ومتابعة كل عملية.
- وأخيرًا، توجيهات التنفيذ ومعايير الاعتماد.
بهذه الطريقة، أصبح لديك إطار عمل متكامل، يعرف فيه كل فرد مسؤولياته، ومتى يبدأ وينهي كل مهمة أو عملية، وكيفية القيام بذلك.
التعميم والدمج بين أُطر العمل
حتى الآن، اتبعت خطوات متسلسلة لوضع إطار عمل لمشروع واحد من مشاريعك، وهو إنتاج محتوى منصات التواصل الاجتماعي. فإذا افترضنا أن لديك مشروعين أو ثلاثة أو حتى عشرة مشاريع مُشابهة لهذا المشروع، فبفضل الإطار الواضح والعمليات المنظمة، ستكون قادرًا على إدارتها جميعًا بكفاءة.
لكن، ماذا لو كان لديك مشروع من نوع مختلف، مثل إعداد محتوى إعلاني أو محتوى لموقع إلكتروني؟ ماذا ستفعل حينها؟
لقد قطعت شوطًا كبيرًا، وأصبح لديك إطار عمل جيد كنقطة بداية. الخطوة التالية هي تجهيز إطار عمل لكل نوع من أنواع مشاريع المحتوى.
لكن المشكلة تكمن في أن العمل على إطارين قد يشتت الموظفين. على سبيل المثال، هل سيعمل الكاتب وفق سير العمل للإطار الأول أم الثاني؟
لحل هذه المشكلة، ستقوم بإعداد مخطط بالإجراءات التشغيلية القياسية للموظف نفسه أو للمهمة التي يقوم بها. دعنا نأخذ مثالًا على كاتب المحتوى، والذي قد يكون مخططه كالتالي:
وبالطبع، نعامل مخطط إجراءات التشغيل هذا نفس معاملة مخطط إجراءات التشغيل للمشروع، حيث نضع جدولًا زمنيًا لهذه الإجراءات، بحيث يُعرف كم من الوقت تستغرق كتابة كل قطعة محتوى، إذا يُفيد ذلك في تحديد مواعيد تسليم المشاريع. كما نحدد الشخص المسؤول عن كل إجراء.
على سبيل المثال، نحدد المسؤول عن إعداد وتسليم الملف، ومن هو المسؤول عن المراجعة، ومن هو المسؤول عن الاعتماد، وهكذا…
إذا تمكنت من إعداد مخطط بالإجراءات لكل موظف أو لكل دور في فريق المحتوى، وتحويله إلى سير وإطار عمل، ستتمكن من دمج جميع أطر العمل بسهولة. وبهذا، سيكون لديك ملفان:
- إطار عمل المشروع: يحتوي على مخطط الإجراءات التشغيلية القياسية للمشروع، وسير العمل فيه، والجدول الزمني، والمسؤولين.
- إطار عمل الموظف: يحتوي على كل ما في إطار عمل المشروع، ولكن على مستوى الفرد أو الموظف في الفريق.
كيف تصل إلى هذا المستوى من التنظيم في إدارة المحتوى؟
لتحقيق هذا المستوى من التنظيم، نحتاج إلى عنصرين أساسيين:
- كادر بشري مؤهل
- بيئة عمل داعمة
دعنا نلخص كل منهما في سطور مختصرة:
الكادر البشري: مُدير المحتوى
لتنظيم العمل بشكل فعال، تحتاج إلى شخص مسؤول ومنظم يساعدك في تحقيق هذا النظام. هنا يأتي دور “مدير المحتوى”، ويمكن تلخيص دوره كما يلي:
- إعداد وتطوير استراتيجية المحتوى.
- تصميم العمليات وسير العمل، وبناء أطر العمل.
- قيادة وتوجيه وتدريب فريق المحتوى على أطر العمل.
- التقييم والمراجعة المستمرة لكفاءة الفريق والعمليات.
هذه المهام والأدوار تتعلق فقط بالعمليات، وليس بتنفيذها، وإلا فإن دوره سيكون أكبر من ذلك. لكننا هنا نركز فقط على العمليات.
بيئة العمل
بيئة العمل هذه نقطة مهمة، لأن الجهود كلها ما هي إلا نبتة في تربة. فإذا كانت التربة صالحة، أنبتت وأزهرت وأثمرت، وإلا ماتت سريعًا.
فريق المحتوى، بما فيهم مدير المحتوى، يحتاج إلى بيئة تشجيعية منظمة خالية من الضغوط غير المنطقية التي قد تعرقل الإبداع وتجعل المدير يتخذ قرارات ليست في مصلحة العمل ولا الموظف.
وأهم ما في بيئة العمل هو ضبط الأهداف والتوقعات، بحيث لا نحمل أي طرف فوق طاقته، وفي نفس الوقت لا نسمح بالتراخي داخل الفريق، مما يؤدي إلى فجوة كبيرة بين ما يتحقق وما يمكن تحقيقه مع قليل من التحدي.
خاتمة
ما أتوقعه هو أنك قد كونت تصورًا عامًا عن إدارة المحتوى وكيف تُدار مشروعات المحتوى الناجحة. هذا هو المخرج الأهم بالنسبة لي. بالطبع، لا يمكن اكتساب كل الجوانب العملية من مقال واحد، ولكن يمكننا القول إنها بوابة قد فتحتها ودخلت منها.
دورك الآن هو مراجعة وضع فريق المحتوى لديك، والتفكير في توفير الموارد اللازمة للوصول إلى هذا المستوى من التنظيم.
تنبيه Pingback: حَمِّل كتيب “خَطِّط ليومك بفعالية باستخدام تريللو” واِشرع بتنظيم شؤونك – يونس بن عمارة