تخطى إلى المحتوى
Home » Blog » باختلاف الصناعة، ونموذج العمل وحجمه، كيف تختلف استراتيجيات التسويق بالمحتوى؟

باختلاف الصناعة، ونموذج العمل وحجمه، كيف تختلف استراتيجيات التسويق بالمحتوى؟

سبق أن نشرت مقالة شاملة حول التسويق بالمحتوى، طرحت فيها تساؤلًا حول مدى ملاءمة هذا النوع من التسويق لجميع الأعمال والشركات بغض النظر عن طبيعتها وحجمها.

وكان جوابي فيه بأن استراتيجية التسويق بالمحتوى هي استراتيجية شاملة، تُلائم كافة أنواع وأحجام ونماذج الأعمال، إلَّا أن هذه الإجابة تستدعي توضيحًا أكثر دقة وعمقًا.

على الرغم من أن التسويق بالمحتوى يصلح لجميع المؤسسات، إلا أن ما يميز المسوق بالمحتوى الناجح هو قدرته على تخصيص استراتيجية المحتوى بما يتناسب مع خصائص كل صناعة وحجم كل شركة ومرحلتها، ونموذج عملها.

بعبارة أخرى، مبدأ “One size fits all” لا ينطبق على التسويق بالمحتوى.

وسأسعى في هذا المقال إلى تبسيط هذه الفكرة من خلال توضيح بعض الاختلافات في استراتيجيات المحتوى بناءً على هذه العوامل الثلاثة: الصناعة، وحجم الشركة، ونموذج العمل. وسأركز بشكل خاص على أهداف استراتيجية المحتوى، باعتبارها حجر الزاوية في أي استراتيجية تسويقية.

كيف تختلف استراتيجية المحتوى باختلاف الصناعة؟

كما سبق وذكرت، سأقتصر في هذا الجزء على بيان الاختلافات في أهداف استراتيجية المحتوى. ولنأخذ القطاعات الصحية والعقارية والتجارة الإلكترونية كأمثلة تطبيقية.

في القطاع الصحي، تتمركز أهداف استراتيجية المحتوى عادة حول مفهوم واحد هو “الثقة“. فإذا كنت تقدم أي نوع من الخدمات الصحية، ينبغي أن تكون أهداف استراتيجيتك للمحتوى مبنية على هذا المفهوم. وعلى النقيض من ذلك، يركز التسويق العقاري على “السلطة“، بينما تتركز أهداف استراتيجية المحتوى في التجارة الإلكترونية على “التحويل والمبيعات“. ولنوضِّح هذه الاختلافات بشكل أكثر تفصيلاً.

أولا: القطاع الصحي

ينبع قرار العميل في القطاع الصحي غالبًا من دافع قهري هو المرض. وعندما يكون الدافع المرض، فإن القرار ينبغي أن يكون سريعًا وصحيحًا، وذلك لأن العميل يتخذ قرارًا يؤثر بشكل مباشر على أثمن ما يملك: صحته. وهنا تكمن أهمية رصيد الثقة الذي بنيته من خلال المحتوى خلال الفترات السابقة لمرضه أو حاجته. فعندما يحتاج العميل إلى اتخاذ قرار، سيتأثر بما ألفه وما زُكِّي له.

ولبناء رصيد كبير من الألفة والتزكية، وهما عنصرا الثقة الأساسيان في هذا السياق، يجب عليك نشر محتوى تعليمي وتوجيهي يدور حول ثلاثة محاور أساسية:

  • الحفاظ على العافية
  • التعافي من المرض
  • التعايش مع المرض إن لزم الأمر

ويدور المحتوى في كل مرحلة من مراحل القمع التسويقي حول هذه المحاور الثلاثة، سواء كان في أعلى القمع أو وسطه أو أسفله؛ لتحقيق هدف واحد وهو: “بناء وتعزيز الثقة”.

ثانيا: قطاع العقارات

قرار العميل في القطاع العقاري قرار معقد، ويعود سبب هذا التعقيد إلى سعي العميل للتأكد من أمرين أساسيين بحسب كونه بائعًا أو مشتريًا:

  • البائع: التأكد من قدرتك على تحقيق أقصى عائد استثماري لوحدته العقارية.
  • المشتري: التأكد من قدرتك على توفير وحدة بسعر منافس.

إذا شعر العميل بوجود الخبرة والكفاءة لديك لتحقيق أحد هذين الأمرين، فسيحفزه ذلك على التواصل معك للاستماع إلى عرضك. وهذا هو الهدف الأساسي للمحتوى في قطاع التسويق العقاري: توليد عملاء محتملين، وذلك من خلال إثبات أمرين أساسيين هما: الخبرة والكفاءة، وهما معًا يشكلان ما نسميه “السلطة

اعتراض وجيه

حسنًا، لماذا لا نعتبر توليد العملاء المحتملين هدفًا من أهداف القطاع الصحي، مثل القطاع العقاري؟

الإجابة ببساطة لأن هناك شيئًا في القطاع العقاري يصعب وجوده في القطاع الصحي، وهو: فريق المبيعات!

العميل المحتمل هو عميل لم تتحقق عنده الثقة بنسبة 100% بعد، وبالتالي أنت تحتاج فريق المبيعات ليضع اللبنة الأخيرة في بناء الثقة.

أمَّا في القطاع الصحي، لا يوجد لديك فريق مبيعات! لأن هذا سيضعنا أمام معضلة أخلاقية وهي “تسليع” الخدمات الصحية، وهو أمر مرفوض شرعًا وإنسانيًا ومنطقيًا. وبالتالي، أنت تحتاج -شئت أم أبيت- إلى رصيد من الثقة يعتمد عليه العميل في وقت اتخاذ القرار، وهذا هو هدف استراتيجية المحتوى هنا!

ثالثا: التجارة الإلكترونية

ذكرنا في قطاع العقارات أنَّ توليد العملاء المحتملين هو الهدف الرئيسي للمحتوى. ولكن في التجارة الإلكترونية، تختلف القصة قليلاً؛ فالكلمة المفتاحية هنا هي “التحويل“.

في التجارة الإلكترونية، القرار الذي يتخذه العميل يكون أسهل وأقل مخاطرة مقارنة بالقطاعات الأخرى.

الأمر هنا في غاية البساطة: أن نبدأ بالكشف عن الشخص الذي يحتاج إلى منتجنا أو خدمتنا، ثم نقنعه بزيارة متجرنا الإلكتروني. بعد ذلك، نعمل على إقناعه بالنقر على زر الشراء، وأخيرًا، نحاول كسب ولائه وجعله يفضل التعامل معنا بدلًا من المنافسين.

قد يبدو هذا التبسيط مبالغًا فيه بعض الشيء، لكنه يعكس جوهر رحلة العميل في التجارة الإلكترونية. ودور المحتوى هنا هو إقناع العميل في كل مرحلة من هذه المراحل باتخاذ القرار المناسب، ودفعه إلى المرحلة التالية.

اعتراضات وجيهة

الاعتراض الأول

حسنًا، وهل هذا المسار (مسار رحلة العميل) غير موجود في القطاع الصحي والعقاري؟

بالطبع موجود، لكن هناك فرق كبير في استراتيجيات القطاعين الصحي والعقاري عن التجارة الإلكترونية.

يكمن هذا الفرق في أن القطاعين الصحي والعقاري يستخدمان القوة الناعمة لجذب العملاء، ويتبعان سياسة السحب (Pull) بدلاً من الدفع (Push). كما يتبعان منهجية بطيئة، ولكنها مؤكدة المفعول، وهي بناء الثقة والسلطة على مدى فترات ممتدة.

أما في التجارة الإلكترونية، فإن السياسة الأساسية هي الدفع (Push)، حيث يتم حثّ وتحفيز العميل، وأحيانًا تخويفه من فوات الفرصة إذا لم يتخذ قرار الشراء فورًا. وهذه الاستراتيجية غير موجودة في القطاعين الصحي والعقاري.

الاعتراض الثاني

لماذا لم نتطرق في التجارة الإلكترونية إلى بناء الثقة وتوليد العملاء المحتملين كأهداف رئيسية كما في القطاع الصحي والعقاري؟

أولاً: عدم ذكر شيء ما لا يعني غيابه، بل هي مسألة أولويات. فلو كانت الثقة هي الأولوية القصوى، لما وجدنا متجراً صغيراً يبيع قطعة واحدة من منتجاته!

ثانيًا: نظراً لغياب فريق مبيعات مباشر، فإن التركيز على العملاء المحتملين كهدف نهائي للمحتوى يعني أن استراتيجية المحتوى ناقصة. فالأمر يتطلب من العميل اتخاذ قرار الشراء، وبالتالي، وبنفس منطق القطاع الصحي، يجب أن يحل المحتوى محل مندوب المبيعات، ولكن مع التركيز على الإقناع وليس بناء الثقة فقط.

كيف تختلف استراتيجية المحتوى باختلاف حجم المؤسسة؟

إذا لم تكن قادرًا على تشكيل وتخصيص استراتيجية المحتوى حسب حجم العمل أو المؤسسة، فهذه مشكلة كبيرة ونذير خطر بفشل الاستراتيجية كلها. وذلك ببساطة لاختلاف أهداف العمل في كل مرحلة، والاختلاف الكبير في الإمكانات والقدرات.

دعنا نرى كيف يمكن أن تختلف استراتيجية المحتوى باختلاف حجم المؤسسة في ضوء أهدافها.

أولا: الشركات الصغيرة والناشئة

إذا فكرت في الشركات الناشئة والصغيرة، ستجد أن هناك هدفان لهذه الشركات في هذه المرحلة:

  • رفع الوعي بوجودها
  • تكوين قاعدة العملاء

من هنا يمكننا فهم دور المحتوى وأهدافه، والتي هي نفس أهداف العمل نفسه: رفع الوعي وتكوين قاعدة العملاء. ولكن يجب أن ننتبه هنا إلى شيء مهم، وهو محدودية الموارد لهذه الشركات، وهذا سيجعلنا نركز كثيرًا على فئات محددة من الجمهور: نخاطبها، نرفع وعيها بنا، نتفاعل معها، ونجذبها إلينا. وبهذا الشكل ينجح المحتوى في دوره ومهمته.

ثانيا: الشركات متوسطة الحجم

تمامًا مثل الشركات الناشئة والصغيرة، دعنا نرى أهدافها.

هناك 3 أهداف للشركات المتوسطة، وهي:

  • التوسع في السوق
  • التميز عن المنافسين
  • الاحتفاظ بالعملاء المكتسبين

لاحظ هنا طبيعة الأهداف، خاصة المُضافة.

التوسع في السوق يعني أن الصرامة في تحديد الفئات لم يعد ملائما لهذه المرحلة، لذا يجب أن نخفف القيود المفروضة على عدد وطبيعة العملاء (وهذا شيء لا يمكننا فعله، بل يجب مقاومته إذا كانت الشركة ناشئة). وتقريبًا في هذا الهدف، نحن نطبق نفس السياسات واستراتيجيات المحتوى للشركات الناشئة والصغيرة، لكن مع الفارق!

الفارق هنا هو دخول هدفين آخرين وهما التميز عن المنافسين، وهذا شيء لم يكن موجودًا من قبل، ويجب أن يكون له موضوعات ومحتوى مناسب يحقق هذا التميز.

أما الاحتفاظ بالعملاء المكتسبين، فهذا يعني أن القمع التسويقي هنا أصبح أشمل وأكمل، لدخول مرحلة جديدة وهي ما بعد عملية الشراء. كل هذا بالطبع يعني تغييرًا جذريًا في طبيعة استراتيجية المحتوى ومستوى التعقيد فيها.

ثالثا: الشركات والمؤسسات الكُبرى

أهداف العمل هنا ستختلف كثيرًا عن المراحل السابقة، وذلك لأن الشركة لم تعد قلقة بشأن رفع الوعي بها، أو فكرة اكتساب والاحتفاظ بالعملاء (وهذا لا يعني التخلي عنها، ولكن كما قلنا هي مسألة أولويات).

نأتي الآن إلى أهداف هذه المرحلة، وهي:

  • بناء السلطة وتحقيق الريادة
  • الولاء للعلامة التجارية
  • التوسع في الأسواق العالمية

لاحظ هنا أن أهداف العمل، وبالتبعية أهداف استراتيجية المحتوى اختلفت تمامًا، وبدلاً من أن تتمحور حول التحويل أو توليد العملاء المحتملين، أصبحت تتمحور أكثر حول اسم العلامة، وأن تضع هذه العلامة في موضع الريادة والتأثير.

ولو لاحظت، من المستحيل مثلاً أن تجد شركة بحجم Apple تطلق حملة تسويقية أو تنشر محتوى بهدف توليد عملاء! لكن ستجد دائمًا حملاتها ومحتواها يركز على تفرد العلامة وريادتها، حتى ولو بدا لك المحتوى على أنه ترويجي.

كيف تختلف استراتيجية المحتوى باختلاف نموذج عمل المؤسسة؟

في نظرتنا للصناعة، ركزنا على طبيعتها وضوابطها. وعندما تحدثنا عن حجم الشركة، ركزنا على هدف كل مرحلة بالنسبة للشركة والمؤسسة.

وهنا سنتناول نموذج العمل وتأثيره على استراتيجية المحتوى، وذلك في ضوء طبيعة العملاء واحتياجاتهم واستهلاكهم للمادة التسويقية.

أولا: نموذج الأعمال إلى الأعمال – B2B

عندنا في مصر مثل شهير يقول: “لا تبيع الماء في حارة السقايين”. هذا المثل ينطبق حرفيًا على هذا النموذج عندما نفكر في استراتيجية المحتوى، وذلك ببساطة لأن هذه الأعمال عادةً ما يكون جمهورها مستهلكًا، وهي تفهم جيدًا أساليب وطرق المسوقين في جذب وتحويل العميل، وبالتالي فإن هذه الطريقة لا تؤثر فيها.

إذًا، كيف تؤثر في قطاع الأعمال؟ يجب أن تفهم أن أهم شيء عند قطاع الأعمال هو اتخاذ قرار اقتصادي في ضوء معلومات، واضحة، ومباشرة، ودقيقة!

وهذا يعني أن المحتوى الخاص بك يجب أن يدور حول هذين الأمرين:

  • أن يكون تعليميًا تثقيفيًا
  • أن يهتم دائمًا بما يسمى: “تسليع القيمة – Value Monetization” بمعنى أن أي قيمة مضافة منك يجب أن تتحول إلى أموال.

وهذا هو الهدف الأول لاستراتيجية المحتوى: مساعدة الأعمال على اتخاذ قرارات مبنية على معرفة دقيقة وواضحة.

الهدف الثاني لاستراتيجية المحتوى في قطاع الأعمال هو بناء الريادة في مجال الصناعة، وهذا شيء مؤثر جدًا. فالإمداد المستمر بالمعلومات والمعارف يضعك في موضع الاستشاري بالنسبة لهذه الأعمال، وهذا يعني أنك دائمًا ستُرى كرائد وخبير في مجال الصناعة.

أما هدف استراتيجية المحتوى الأخير فهو: توليد العملاء المحتملين.

لاحظ هنا أنني لم أقل مبيعات، بل قلت توليد عملاء محتملين. إذا ركز المحتوى على البيع مع الأعمال، فهذا يعني أنك تضربه في مقتل، لأنه سيفقد مصداقيته تمامًا، فضلًا عن أن عملية التحويل معقدة ويجب أن تتم من خلال المبيعات.

ثانيا: نموذج الأعمال إلى المستهلك – B2C

عندما تتعامل مع مستهلك، اعلم أن أهم هدف لاستراتيجية المحتوى هو جذب الانتباه. ومن هنا جاء التركيز (المُبالغ فيه أحيانًا) على الـ Hook.

بعد جذب الانتباه، من المهم جدًا أن تتفاعل معه، تفاعل يقنعه باتخاذ الخطوة التالية في رحلته أو في القمع التسويقي، وأخيرًا، تحقيق المبيعات. وهذه هي أهداف استراتيجية المحتوى مُجتمعة لهذا النموذج.

هل يكفي عامل واحد من هذه العوامل لإنشاء استراتيجية المحتوى؟

صعب جدًا أن تبني استراتيجيتك على عامل واحد من هذه العوامل. فالقطاع الصحي، على سبيل المثال، من نماذج الأعمال B2C، وعلى الرغم من ذلك، فإن المبيعات ليست هدفًا أساسيًا من أهداف استراتيجية المحتوى، وهذا ما أكدنا عليه.

كذلك الأمر، إذا كان لديك شركة تسويق عقاري، وهي من فئات الشركات الكبرى، فسيظل من أهم أهداف استراتيجية المحتوى هو توليد العملاء المحتملين، حتى ولو غاب هذا الهدف عن الغالب من فئة الشركات الكٌبرى!

جوهر ما أحاول توضيحه، هو أنك عند اختيار الاستراتيجية المناسبة لمحتوى شركتك، يجب أن تحدد موقع الشركة في كل عامل من هذه العوامل، وتختار الأهداف وفقًا لذلك.

فعلى سبيل المثال، الشركة الصحية التي تستهدف الشركات لتقديم الخدمات الصحية لموظفيها (B2B) وهي من فئة الشركات الكبرى، ستختلف استراتيجية المحتوى لها تمامًا عما إذا كان لها نفس النموذج، ولكنها من الفئات الصغيرة والناشئة. كذلك ستختلف أهداف استراتيجيتها إذا كان نموذجها B2C.

خاتمة

دعني أؤكد مرة أخرى على المعنى والهدف من هذا المقال.

التسويق بالمحتوى أصبح استراتيجية لا مفر منها، وهي كذلك استراتيجية تناسب كافة القطاعات والصناعات ونماذج الأعمال، وحجم الشركة كيفما كان.

ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى التخصيص الدائم والمستمر، لتتوافق أولًا مع أهداف العمل. فإذا توافقت مع أهداف العمل، واخترت الموضوعات والقنوات والمحتوى المناسب، تأكد أن استراتيجيتك ستكون ناجحة بإذن الله تعالى.

والآن، هل لديك سؤالًا حول هذا الموضوع؟ لا تتردد إذًا في التحدث إليَّ، وسأجيبك بإذن الله في أسرع وقت.

شاركني رأيك

  1. تنبيه Pingback: إطلاق معجم قبس الحاسوبي، أضخم معجم مفتوح المصدر ويناسب تطبيقات الذكاء الاصطناعي 🇵🇸✌️ – يونس بن عمارة

اترك رد

خلينا نتكلم
1
حابب نتكلم؟
السلام عليكم!

أنا سعيد بزيارتك لمدونتي.

هل لديك أي أسئلة أو استفسارات؟