أُراهن أن هذا ليس أول مقال تقرأه بهذا العنوان، وليس أول مقال تبحث فيه عن إجابة لهذا السؤال! وهذا طبيعي تمامًا، فليس ثمَّة إجابة واحدة وواضحة له، وكلٌ يُجيبه بناءً على خبرته وصناعته وتصوراته التي تكونت مع الوقت.
إذًا، هل يسُدُّ مقالي هذا هذه الفجوة، ويُقدم إجابة بالوضوح والدقة المطلوبين؟
ذلك ما أرجوه، وأنت في النهاية من سيحكم على ذلك، فلا تتردد في ترك حكمك عليه في التعليقات بالأسفل!
لن أدعي أنني سأقدم في هذا المقال تعريفًا جديدًا أو مختلفًا للتسويق بالمحتوى، ولكني سأحاول جعل الموضوع بسيطًا قدر الإمكان، حتى إذا ما غادرته، غادرت وأنت الإجابة الواضحة والمباشرة والسهلة.
أولا، ما هو التسويق؟
التسويق بالمحتوى يتألف من كلمتين: 1- التسويق 2- المحتوى. ولفهم هذا المصطلح، يجب أولاً فهم تعريف كل من هذه المكونات. فما هو التسويق؟
في عام 2017، اتفقت الجمعية الأمريكية للتسويق على تعريف التسويق كالتالي:
بالرغم من أنني لست متخصصًا في الترجمة، إلَّا أنه يمكن الاستنتاج من التعريف باللغة الأصلية أن التسويق هو:
مجموعة من الأنشطة والعمليات التي تهدف إلى خلق وتوصيل العروض والمنافع التي تحمل قيمة للعملاء. وبالتالي، يعتبر شيئًا قيمًا، ليس فقط للعملاء المحددين، بل للمجتمع بأسره.
حسنًا، لكن هناك مشكلة في هذا التعريف، أتعلمها؟
نعم، المشكلة في هذا التعريف هي أنَّه ليس واقعيًا تمامًا. لماذا؟
لأنه في عالم الأعمال والتجارة والمادة، لا يوجد شيء يُسمى “أقدم القيمة فقط”! فأنا لست منظمة خيرية، وتعليم العميل وتنشئته ليس لهما أي معنى بالنسبة لأصحاب الأعمال إذا لم يكن هناك عائد في مقابل ذلك.
إذاً، ما هو التعريف الذي أراه مناسبًا؟
دعنا نعود إلى اللغة العربية، ونرى من أين جاءت كلمة “التسويق”!
بعد البحث في موقع المعاني، سنجد أن لكلمة التسويق تعريفين، واحد لغوي والآخر اصطلاحي.
بالنسبة للتعريف اللغوي، فإن كلمة التسويق مأخوذة من “يسوق”، والتي تعني: حثُّ الشيء من خلفه للسير في اتجاه معين!
بالطبع، الشيء في هذه الحالة هو البضائع والخدمات، ولكن إلى أين تُساق؟ تُساق إلى السوق، وما هو السوق؟ السوق هو: الموضعُ الذي يُجلبُ إليه المتاعُ والسِّلَعُ للبيع والابتياع.
بالنسبة للتعريف الاصطلاحي، يُعتبر التسويق: عملية نقل البضائع من المنتج إلى المستهلك. النشاط يتعلق ببيع البضائع أو الخدمات. إرسال البضائع إلى الأسواق للتجارة وعرضها للبيع. كل هذه التعريفات في المصدر المُشار إليه سابقًا.
عند التأمل في التعريف اللغوي والاصطلاحي للتسويق، نجد أن التسويق يدور حول أربعة عناصر رئيسية:
- السائق: وهو المُسوِّق، وكالة التسويق، الشركة، العمل.
- المسوق: وهو البضائع أو الخدمات والمنتجات
- موضع السوق: حيث يتواجد العميل (منصات تواصل، محرك بحث، موقع…إلخ)
- الغرض منه: البيع
والعمليات التي تشمل هذه العناصر الأربعة هي التسويق.
لكن، أين ذهبت القيمة المقدمة والبحث عن احتياجات العميل وتطوير المنتجات والتسعير؟ كل هذه المصطلحات ببساطة هي: المهام التي يقوم بها الطرف الأول (المسوق) على المسوق (البضاعة) لتحقيق الغرض (البيع والشراء) في مكانه (السوق). هذا هو التعريف الواضح والمختصر للتسويق.
وما الفرق بين التعريف العربي والإنجليزي إذًا؟ الفرق يكمن في ثبات التعريف وواقعيته. بمعنى أن محاولة حصر التعريف في المهام أو القيمة فقط فيه مشكلتان:
- غير واقعي: لأنها أمر غير موجود في عالم الأعمال والمادة
- غير ثابت: لأن المهام تتغير مع الوقت واحتياجات السوق والعملاء
ثانيا، ما هو المحتوى؟
بعد أن عرَّفنا التسويق تعريفه الثابت والواقعي، دعنا ننتقل إلى الشق الآخر من مصطلح التسويق بالمحتوى.
ما هو المحتوى؟
المحتوى يمكن تصوره على أنه مادة التسويق، أي الخام الذي يعمل عليه المُسوِّق في سوقه لتحقيق أهداف التسويق.
لتصور أفضل، يمكننا القول إن الخام الذي يعمل عليه النجار هو الخشب، والخام الذي يعمل عليه الحداد هو الحديد، والخام الذي يعمل عليه الطباخ هو الطعام. وبالمثل، الخام الذي يعمل عليه المُسوِّق هو المحتوى!
وكما أن هناك أشكالًا وأنواعًا مختلفة من الخشب والحديد والطعام، هناك أيضًا أشكال وأنواع مختلفة من المحتوى. ومن الأمثلة على أنواع المحتوى:
- التعليمي
- التثقيفي
- الإخباري
- الترفيهي
- الترويجي والبيعي
وغيرها من أنواع المحتوى الأخرى!
أمَّا بالنسبة لشكل المحتوى، فيختلف باختلاف السوق (مكان تواجد العميل)، فقد يكون مرئيًا، أو مسموعًا، أو مقروءًا. على سبيل المثال، إذا كنت على يوتيوب، فشكل المحتوى هو الفيديو. وإذا كانت على مدونة فشكله مقالي مقروء. وإذا كنت في منصة استضافة بودكاست، فهو مسموع، وهكذا.
وبهذا نكون قد قدمنا تعريفًا مبسطًا للمحتوى، بعيدًا عن التعقيدات والتعريفات الأكاديمية المُحيرة!
ثالثا، ما هو التسويق بالمحتوى؟
بعد أن تعرفنا على معنى التسويق والمحتوى، حان الوقت لتعريف التسويق بالمحتوى.
بناءً على التعريفات السابقة، يمكننا القول إن التسويق بالمحتوى يتعلق باتخاذ قرار حول نوع وشكل المحتوى المناسب لتحقيق أهداف التسويق في السوق المستهدفة.
كيف ذلك؟ دعني أُبيِّن لك.
مع ازدياد الغرض النهائي تعقيدًا، وهو المبيعات، وظهور مراحل متعددة في عملية البيع، صار للتسويق مهمة ودور وهدف في كل مرحلة من هذه المراحل. وبالتالي، فإن لكل مرحلة نوع وشكل من المحتوى. وصار المحتوى لا يختلف فقط باختلاف موضع التسويق، ولكن أيضًا باختلاف مرحلة الشراء أو البيع للعميل.
إذا اتبعنا نفس التسلسل المنطقي، وقلنا إن الهدف من التسويق هو دفع العميل للانتقال من مرحلة إلى الأخرى نحو اتخاذ القرار النهائي بالشراء، فيجب أن يكون المحتوى قادرًا على تحقيق هذا الهدف.
وبما أن العميل يجب أن يتحرك بإرادته الخاصة، فإن دور المحتوى هو إقناع العميل. ولكي يُقنع العميل، يجب أن يقدم المحتوى إجابة كاملة ومحفزة تدفع العميل للتحرك إلى الأمام.
وبالتالي، يمكن تعريف التسويق بالمحتوى، كما ذكرنا في مقالنا الشامل بعنوان “فك شيفرة التسويق بالمحتوى”، على النحو التالي:
“هو استراتيجية تسويقية تشمل عمليتي التخطيط وإنتاج المحتوى الذي يجيب على أسئلة العميل في كل مرحلة من مراحل رحلته، بداية من رفع الوعي وحتى الشراء.”
ورغم إمكانية تقديم هذا التعريف من البداية، إلا أنني اخترت تقديمه في النهاية لهدف مهم، وهو أن أوضح لك المنطق الذي يقف وراء هذا التعريف، وليس فقط أن تعرفه دون فهمه بشكل كامل ودقيق!
خاتمة
أود أن أختم هذا المقال بسؤال: هل تعتقد أن التسويق بالمحتوى، وفقًا للتعريف والمنطق الذي تناولناه في المقال، يمكن أن يكون خيارًا للشركات والأعمال؟
في الحقيقة، التسويق بالمحتوى ليس خيارًا، بل هو ضرورة.
على عكس الاستراتيجيات الأخرى مثل التسويق عبر منصات التواصل، التسويق عبر محركات البحث، الحملات الترويجية والإعلانية، والعمل مع المؤثرين، التي يمكن اعتبارها أدوات يمكن اختيارها بناءً على مزاياها وعيوبها، والقدرات المتاحة، والأهداف المرجوة. ولكن، التسويق بالمحتوى هو الأساس الذي لا يمكن التخلي عنه، وبالتالي فهو ليس استراتيجية يمكن اختيارها، بل هو استراتيجية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
أتمنى أن يكون ردي قد أوضح لك هذا المفهوم بطريقة أبسط وأوضح من التعريفات المعقدة الأخرى.
وإذا كنت تواجه أي صعوبات في التسويق بالمحتوى، أو ترغب في تطبيقه بشكل احترافي، أو تحتاج إلى استشارة خاصة به، فلا تتردد في التواصل معي في أي وقت!